«قمة بروكسل»… مصر تنتزع موقعها كرقم صعب في معادلة الشرق والغرب
بقلم: خالد مراد – كاتب ومحلل سياسي
قمة ليست كغيرها
لم تكن قمة بروكسل المصرية–الأوروبية مجرد لقاء دبلوماسي عابر، بل لحظة فاصلة تؤسس لمرحلة جديدة من التوازنات الإقليمية، وتعيد رسم خريطة التحالفات في الشرق الأوسط على قاعدة احترام الإرادة المصرية ودورها المحوري.
مصر تصنع المعادلات لا تنتظرها
في مشهد مهيب، دخل الرئيس عبد الفتاح السيسي أروقة الاتحاد الأوروبي والعواصم الغربية تُدرك أن القاهرة لم تعد تنتظر المساعدات، بل تصنع المعادلات. خرجت القمة بنتائج غير مسبوقة، أبرزها توقيع حزمة دعم واستثمار تتجاوز 7.4 مليار يورو، وهي أكبر اتفاقية من نوعها منذ سنوات، تُوجّه لتعزيز الاقتصاد المصري، وتحويله إلى مركز إنتاجي واستثماري يخدم القارة بأكملها.
لغة مصر الجديدة
لكن الرسالة الأعمق لم تكن في الأرقام، بل في اللغة السياسية الجديدة التي تحدثت بها مصر؛ لغة الثقة لا التبعية. فالقاهرة لم تذهب لتطلب، بل لتفرض رؤيتها:
في ملف الهجرة: أكدت مصر أنها ليست “بوابة عبور”، بل “دولة توازن ومسؤولية” تواجه الإرهاب والفقر بمنطق التنمية لا بالمنع.
في ملف غزة: شدّد الرئيس على أن الأمن لن يتحقق بسياسات الإبادة، بل بحلٍّ سياسي عادل يضمن قيام الدولة الفلسطينية.
في قضايا ليبيا والسودان والأمن المائي: وضعت مصر النقاط فوق الحروف، رافضة أي تدخلات أجنبية تمسّ سيادة الشعوب أو تهدد مصالحها الوطنية.
تحوّل في الخطاب الأوروبي
لقد نجح السيسي في تحويل القمة إلى منبر لإعادة تعريف العلاقة بين الشمال والجنوب؛ فالاتحاد الأوروبي أدرك أنه لا استقرار في المتوسط دون مصر، ولا أمن طاقي أو غذائي أو حدودي دون التنسيق مع القاهرة.
ولأول مرة منذ عقود، تحدّث الأوروبيون عن “شراكة استراتيجية شاملة” لا عن “مساعدات مشروطة”، وهي نقطة التحول الحقيقية في الخطاب الغربي تجاه مصر.
حضور مصري يعبّر عن الفخر الوطني
ولعل المشهد الأبلغ كان من خارج القاعات، حين احتشدت الجالية المصرية في شوارع بروكسل تهتف للرئيس، في مشهد عبّر عن شعور عميق بالفخر الوطني، ورسالة تقول للعالم إن مصر لا تمثل نفسها فقط، بل تمثل أمة كاملة خرجت من عنق الأزمات لتفرض احترامها ومكانتها.
خلاصة المشهد
هذه القمة لم تكن مجرد “انتصار دبلوماسي”، بل نقطة انطلاق نحو مرحلة مصرية جديدة عنوانها:
> القوة الهادئة… والسياسة التي تُدار بالعقل لا بالصوت العالي، وبالإنجاز لا بالشعارات.
مصر اليوم لم تعد في موقع المتلقي، بل في موقع المقرر.
ومن بروكسل، أُعلنت الحقيقة بوضوح:
أن القاهرة عادت لتكون الرقم الصعب الذي لا يُمكن تجاوزه في معادلة الشرق والغرب.