أدبقصص وروايات

الوصول لا يعني أنك انتهيت

قطع الأحجية

بقلم: ساره على

لقد عدتُ مجددًا.
أعتقد أن أحداثي هي الأقرب إلى الواقع، فأنا إنسان طبيعي… أواجه، أنفعل، وأخاف.
أما هو، فقد تغيّر كثيرًا عمّا كنا عليه في مرحلة المراهقة والشباب.
أصبح هادئًا بطريقة مُربكة، تُجبرني على مراجعة نفسي كلما تحدث.
يتكلم بغموضٍ مزعج… أم أن الخطأ فيَّ أنا؟ لا أعلم.

لكن ما أعرفه جيدًا — أنك تشبهني.

مقالات ذات صلة

كل الطرق تؤدي إلى روما، ولكن الوصول لا يعني أنك انتهيت.

تلك الجملة قالها لي صديقي منذ فترة.
وقتها اكتفيت بالابتسام، ظننتها مجرد حكمة أخرى من حِكمه التي يحب ترديدها.
لكن اليوم، لا أدري لماذا عادت لتطاردني.
ربما لأنني بدأت أرى ما كان يقصده،
أو لأني ببساطة لم أستطع الهروب منها بعد الآن.

وقفت أمامها كمن يواجه مرآة يعرف أنه لن يحب ما سيراه.
تأملتها طويلًا، ثم تمتمت بانزعاج:
“أعلم… هو لا يحب إعطاء الأوامر أو النصائح المباشرة،
يجب أن يجعل الأمر لغزًا،
تمامًا كعجوز الحكايات القديمة.”
ضحكت ساخرًا وأنا أقولها،
لكن شيئًا في داخلي لم يضحك.

لأنه لا يقول شيئًا عبثًا،
ولأن مساعدته لي في هذا التوقيت، وبهذه الطريقة، ليست صدفة.
وراء الأمر سرّ، عليّ أن أفهمه سريعًا.

نعم… كل شخص يمكنه الوصول إلى القمة بطريقته،
لكن البقاء هناك، الانتقال منها، أو حتى عدم الاكتفاء بها —
يصبح أمرًا مختلفًا تمامًا، مختلفًا بطريقة مرعبة.

الأمر يشبه ما يحدث في الشركات.
فالأهم من أن تمتلك شركة ناجحة،
هو أن تعرف كيف تطورها وتبقيها حية.
ويبدو أن هذا لا يقتصر على الشركات فحسب…
في ظل هذا التطور التكنولوجي المتسارع،
لو لم أواكب وأُحدّث مهاراتي،
سأصبح كالأثر المدفون… مجرد ذكرى جميلة لمرحلة قديمة.

لكني أعرف هذا، والدليل أنني نجحت في الوصول.
لذا بدأت أبحث عن الإجابات بطريقتي.
جلست أمام الحاسوب، وبدأت التصفح بين مواقع الجامعات الكبرى،
أقرأ البرامج الأكاديمية، الدورات، الدراسات الحديثة.
قيّمت معارفي بصدق، وراجعت نفسي.

لكن شيئًا لم يكن ناقصًا حقًا.
ما ينقصني لم يكن شيئًا يُدرَّس.
بل شيئًا يُكتشف.

وقفت، تركت الكرسي خلفي ونهضت.
بدأت أتجول في الغرفة ببطء،
ثم توقفت أمام المرآة.
تأملت وجهي، وصمتي كان أثقل من الكلمات.
لم أعرف ماذا أقول.
لماذا أصرّ على الهروب؟
أنا أعرف المشكلة، لكني لا أريد الاعتراف بها.

اقتربت من المرآة أكثر،
نظرت في عينيّ،
لكنني لم أستطع أن أطيل النظر.
لأنني أعرف الحقيقة.

كنت أشعر منذ البداية أن اعتقادي خاطئ،
لكنني أنكرته، تجاهلته،
وحاولت إسكات ذلك الصوت بداخلي بإثبات عكسه.
تبا لهذا…
هل عليّ أن أعترف حقًا؟
هل عليّ أن أقولها؟
لا… مستحيل.
لا أستطيع.
لكن… إلى متى؟

تقدّمت نحو النافذة،
وضعت يدي على السور البارد،
ثم فتحتها ببطء،
وأخرجت رأسي إلى الخارج.
الهواء كان باردًا،
لكنّه أعاد إليّ شيئًا من الحياة.
نظرت للأسفل،
ثم أطلقت نفسًا طويلاً، حمل معه كل ما في داخلي،
ورفعت رأسي نحو السماء.

“هذه تصرفات طفل… لا رجل ناجح وصل إلى ما وصلت إليه.”
قلت ذلك لنفسي وأنا أبتسم بسخرية مرّة.

عدت إلى الداخل، أمسكت قلمي،
وفتحت ذلك الدفتر الذي يشبه الصندوق الأسود لذاكرتي.
وقفت أمام الصفحة البيضاء،
كتبت تاريخ اليوم في الأعلى،
ثم بدأت الاعتراف:

> “مشكلتي الحقيقية هي عدم التفريق بين الاعتقاد، والمبدأ، والأسلوب، والتفكير.
الاعتقاد ثابت، وكذلك المبدأ.
أمّا الأسلوب والتفكير… فهما فنّ،
والفنّ يتغيّر ليتناسب مع الموقف، مع الأحداث، ومع المكان.”

وضعت القلم، تأملت ما كتبت،
بدأت أردد الكلمات بصوت منخفض،
ثم تنهدت بعمق وكأن الزمن توقف للحظة.
لم أستطع أن أغلق الدفتر.
لقد أعلنت بداية تحدٍّ جديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى