الشاحنات التي دخلت غزة… قوافل إنسانية أم اختبار للضمير العالمي؟
بقلم: خالد مراد – كاتب ومحلل سياسي
مدخل الأزمة
لم يكن مشهد دخول الشاحنات إلى غزة مجرد حدث إنساني عابر كما أرادت بعض وسائل الإعلام تصويره، بل هو صورة مكثفة للصراع بين إنسانية مهدورة وضمير عالمي غائب.
فعلى وقع الدمار والجوع، تسير الشاحنات ببطء عبر المعابر، حاملة القليل من الغذاء والكثير من الأسئلة:
لماذا يُترك أكثر من مليوني إنسان ليقايضوا حقهم في الحياة بموافقة المحتل؟
مصر… صوت الضمير العربي
منذ اللحظة الأولى، كانت مصر في قلب المشهد. لم تتخلَّ عن دورها رغم الضغوط والتعقيدات. فتحت معبر رفح، أدارت التنسيق الأمني والسياسي واللوجستي بدقة، وأكدت أن غزة ليست مجرد ملف حدودي، بل قضية كرامة عربية وإنسانية.
الرئيس عبد الفتاح السيسي كان واضحًا في موقفه:
> “المساعدات الإنسانية ليست منّة من أحد، بل حق إنساني أصيل لأبناء غزة.”
بهذه الجملة، أسقطت القاهرة ورقة التلاعب السياسي التي حاول البعض استخدامها تحت مسمى “المساعدات المشروطة”.
ازدواجية الموقف الدولي
المفارقة الصادمة أن العالم الذي يرفع شعارات “حقوق الإنسان” هو ذاته الذي سمح بتجويع شعب بأكمله تحت الحصار.
يتحدث الغرب عن “هدنة إنسانية”، لكنه يُسلّح آلة الحرب التي تمحو الأطفال من السجلات المدنية.
يُدين استهداف المدنيين في أوروبا، ويصمت أمام المقابر الجماعية في غزة، وكأن الإنسانية تُقاس بالجغرافيا لا بالدم.
رسالة الشاحنات… من تحت الرماد
كل شاحنة تعبر إلى غزة ليست مجرد مركبة محمّلة بالطعام والدواء، بل صرخة مقاومة في وجه العالم الصامت.
إنها تذكير بأن الفلسطيني لا يعيش بالخبز وحده، بل بالكرامة، وأن ما يدخل من مساعدات لا يمكن أن يُخفي الحقيقة:
أن ما يُمنح اليوم بالقطرة يُقابَل على الأرض ببحرٍ من النار.
خاتمة: بين الحصار والوعي
دخول الشاحنات إلى غزة هو امتحان يومي للأخلاق الدولية، ورسالة بأن القهر لا يصنع سلامًا، وأن الجوع لا يقتل الإرادة.
ستبقى مصر — رغم كل العواصف — بوابة الأمل الوحيدة التي تُبقي غزة على قيد الحياة،
وستبقى القوافل القادمة من أرض الكنانة تحمل أكثر من الغذاء… تحمل ضمير أمة ما زالت تقاوم النسيان.