
وحيد في معركة المعنى
كتب: أحمد النحاس … مدير عام جريدة مصر اليوم نيوز
لم يكن موقع المثقف في المجتمع يومًا بالمكانة التي تليق بدوره الحقيقي، دائمًا كانت الراقصة والطَبَّال وأمثالهم يكسبون أكثر من الكاتب، اليوم وإن تغيّرت مظاهر العالم الحديث وتقدمت تقنياته إلا أن جوهر التحديات التي يواجهها المثقف والكاتب بقيَّ على حاله بل وتفاقم في ظل سيطرة الاستهلاك الإعلامي السريع والمحتوى الترفيهي الخالي من المعنى.
الكتابة لم تكن أبدًا مجرد عملية لنقل الأفكار على الورق، بل هي جهد حقيقي، جهد عقلي وروحي ينغمس فيه الكاتب ليحفر عمقًا في النفوس ويمد جسورًا بين الفكر والوجدان، بين الحقيقة والخيال، بين الحياة التي نعيشها وتلك التي نحلم بها، ومع ذلك يجد الكاتب نفسه أمام معضلة لم تتغير منذ أمد بعيد وهي أن العالم يميل دائمًا نحو التافه والعابر، ويبتعد عن الجاد والمهم، فكما كان الناس يتركون المفكرين وجلسات العلم ليحتشدوا حول الطبالين والراقصين، نجدهم اليوم يهرعون خلف كل ما هو سريع وسطحي، متجاهلين عمق الفكر ونداء الحقيقة.
تتجلى هذه المعضلة في عصرنا الحالي بأشد صورها، مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام تفتح أبوابها لكل من يتقن فن جذب الأنظار ولو بالفراغ، يستعرض الناس حياتهم الخاصة، يتاجرون بالصورة والمظهر، في حين يُهمَّش الكاتب الحقيقي الذي يحمل رسالة أو فكرة تستحق أن تُسمع، أمسينا نعيش في عالم تتصدر فيه التفاهة، ولا مكان فيه لمن يحمل عبء الفكر ويتأمل في جوهر الإنسان ومعنى الوجود.
المثقف اليوم يواجه تحديًا مزدوجًا، فهو مطالب بأن يبقى متمسكًا بمبادئه وقيمه، وأن يسعى لنقل رؤيته العميقة للعالم من جهة، ومن جهة أخرى عليه أن ينافس في سوق استهلاكي لا يعير القيم الجوهرية اهتمامًا، بل يلهث وراء الإثارة واللحظية، فلو دُعي زويل إلى ندوة علمية، ودُعيت امرأة عارية في نفس الوقت، لتركت الجماهير زويل بعلمه وفكره واحتشدت حول المرأة العارية..
الألم الحقيقي للمثقف؛ أن يرى جهده الفكري يتبخر أمام ظواهر سطحية استولت على عقول الناس، ألم يعكس فوضى القيم في المجتمع، الفوضى التي دفعته إلى هامش الوجود الاجتماعي، ليُهمَّش صوته رغم الحاجة الملحة له، ويعيش معركة مستمرة ليصل بفكرته إلى قلوب الناس وعقولهم في زمن يغلب عليه الضجيج والتشتت.
رغم هذه المعاناة يبقى المثقف ذلك الكائن العنيد الذي يقف وحيدًا في معركة المعنى ولا يتوقف عن المحاولة، يؤمن بأن الكلمة الحقيقية مهما طال الزمن ستجد طريقها إلى النفوس، قد يكون الطريق طويلاً ومُرهقًا، لكنه السبيل الوحيد الذي يعرفه.

 
				




