أخبارأخبار الأسبوعأخبار عربيهأدب

حافية القدمين

حافية القدمين

 

بقلم أمل أبو العزايم رجب

 

هل عندك شك أنك أحلى وأغلى امرأة في الدنيا؟!

وأهم امرأة في دنيا ..هل عندك شك؟!

 

عزيزي القارئ ربما سيأخذك خيالك إلي حافية القدمين في قصيدة كاظم الساهر .

نعم ! أنها امرأة حافية القدمين ، لكن حافية القدمين هذه المرة ليس من الدلال بل من الاحتلال،

ففي صباح مثقل برائحة البارود، خرجت من بين الركام امرأة غزّية، لا تحمل متاعاً ولا زاداً، بل تحمل قلباً مثقلاً بالوجع وصبراً لا ينفد.

مشت حافية، لا يفصل بين قدميها وبين تراب الوطن إلا بقايا جراحها، وبدأت رحلتها الطويلة، عشرين كيلومتراً من مدينة غزة، لا تعرف إلى أين تنتهي، ولا أي يدٍ قد تمتد إليها في منتصف الطريق، تتعثر في الطريق، ولا تدري إلى أين تأخذها خطواتها، أإلى وطنها الممزّق أم إلى منفى جديد.

كل خطوة كانت نزفاً، وكل حجر كان يفتح في قدميها باباً جديداً من الألم.

ومع ذلك تابعت المسير، كأنها تُناجي الوطن: “خذ من دمي ما شئت، لكن دعني أمشي فيك.”

لم تكن وجهتها واضحة، لكنها كانت تدرك أن الأرض التي تمشي عليها أوسع من كل حدود ضُربت، وأقدس من كل خرائط وُضعت بمداد الغاصبين.

 

لقد تحولت هذه المرأة في لحظات سيرها إلى رمز للصمود.

لم تعد امرأة تبحث عن مأوى فحسب، بل صارت صورة مكثفة لشعبٍ كلما سُلبت أرضه أعادها بخطواته، وكلما مُزقت هويته أعاد صياغتها بصبرٍ جديد.

خطواتها العارية كانت رسالة: أن الوطن قد يُحاصر، لكن انتماءه لا يُحاصر، وأن الإنسان قد يُجرد من بيته، لكنه لا يُجرد من كرامته.

 

أي إحتلالً هذا الذي يسرق من أبنائه البيت والملجأ، ويدفع بامرأة لأن تسير تائهة في طرقاته وهي لا تدري أين تأوي؟

إنه وطن ممزق في الجغرافيا، لكنه كامل في القلوب، وطن يحيا في دموع النساء وصمود الرجال وصرخات الأطفال.

 

هكذا تبقى المرأة الغزّية، بخطاها النازفة، شاهدة على قسوة الجرح الفلسطيني، وعلى أن الهوية لا تُسرق، وأن الأرض مهما طال اغتصابها ستبقى تُنبت في كل قلبٍ غزّي نبتة صمود .

هذه المرأة ليست مجرد عابرة سبيل، بل هي صورة مكثفة لآلاف النساء الفلسطينيات اللواتي حمَلن عبء الوطن على أكتافهن، وحملن في قلوبهن وصايا الأجداد وصبر الأمهات.

هي الأم التي تبحث عن لقمة لولدها، والزوجة التي تنتظر شهيداً أو أسيراً، والابنة التي تحمل ذاكرة بيتٍ تهدّم ولم يبقَ منه سوى المفتاح.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى